لن ترى هذه الأعياد الستة بنفس الطريقة أبداً بعد اليوم
كثير من الأعياد والمناسبات التي نحتفل بها لها أصول وثنية مظلمة قد لا تعرفها. تخيّل معي…
أنت ترقص وتضحك وتحتفل مع الأصدقاء، تزيّن البيت بالأنوار، أو ترتدي قناعاً وتطرق أبواب الجيران طلباً للحلوى، كالأطفال…
غير أنك يجب أن تنضج، لكن، ماذا لو أن هذه الطقوس ليست بريئة كما تبدو؟ ماذا لو أنها مفاتيح قديمة، تُفتح بها أبواب لعوالم أخرى؟
هل من الممكن أننا، من غير قصد، نستدعي آلهة قديمة كانت تُعبد يومًا ما… آلهة لم تمت، بل تنتظر في الظلال حتى نُناديها من جديد؟
كل مناسبة وعيد نحسبه للمرح، كان في يوم من الأيام طقساً وثنياً، دماءً تُسكب، ونيراناً تُشعل، ورقصات تُؤدى تحت السماء، طلباً لرضى قوى تحت أرضية، أكبر من البشر.
واليوم، حين نُشعل الشموع ونغني الأغاني، هل نحن في الحقيقة نُعيد إحياء تلك الطقوس… دون أن ندري؟
الهالوين: ليلة عبور الأرواح
حين تقترب نهاية أكتوبر، تمتلئ الشوارع بالأزياء الغريبة، الأطفال يركضون من بيت إلى آخر، والبيوت تضيء بوجوه قرعٍ مجوّفة وابتسامات مخيفة. في بعض البلاد، على الأقل! ونضحك جميعاً… لكن لو عدنا لبضع قرون في الماضي، لما كان الأمر مزحة…
الهالوين أصله عيد سامهاين الكِلْتِي. كان الناس يعتقدون أن هذه الليلة ليست كباقي الليالي، وأن الحاجز بين عالم الأحياء والأموات يصبح أضعف، حتى يمكن للأرواح أن تتجول بحرية بيننا.
لم يكن الأمر احتفالًا، بل كان طقساً يتعامل مع الخوف ذاته… النيران تُشعل، والأقنعة تُرتدى، ولكن ليس للمرح… بل لإخفاء البشر عن عيون الأرواح الطليقة الجائعة.
وكانت القرابين تُقدّم، أحيانًا من المحاصيل، وأحيانًا من الحيوانات، لضمان أن تمر الليلة بسلام. كان الأمر أشبه بمحاولة رشوة قوى لا تُرى، وبدلاً من شاي الياسمين، تقدم الأضاحي.
مع مرور القرون، غلّفت المسيحية هذه الليلة باسم “All Hallows’ Eve” (عشية يوم القديسين)، لتحويل الناس بلطف عن عبادة الآلهة القديمة أو التقرب إليهم. لكن الأرواح لم تختفِ، بل ارتدت أقنعة جديدة.
اليوم، ومع العودة إلى طرق الأطفال الأبواب وطلب الحلوى، هل يختلف ذلك كثيرًا عن تقديم القرابين للأرواح لترضى عنا وتتركنا في سلام؟
حلوى اليوم هي قرابين الأمس، وقناعك التنكري هو وسيلتك للنجاة من أرواح الموتى. القرع المضيء ليس إلا بقايا نار سامهاين، والأقنعة التنكرية ليست إلا صدىً لأقنعة الكلتيين الذين أرادوا أن يتخفوا من الأشباح.
فهل نحن نضحك حقًا… أم أننا نعيد استدعاء ليلة كانت مكرّسة للأموات منذ آلاف السنين؟
الكريسماس في ديسمبر: عودة الشمس؟
في ليلة باردة من ديسمبر، تُضاء الشوارع بألوانٍ دافئة، والأشجار تكتسي بالزينة. نغني ونفرح بولادة النور في الظلام.
لكن، قبل المسيح بقرون طويلة، كان الناس يحتفلون بليلة الانقلاب الشتوي، حيث تكون الشمس في أضعف حالاتها.
كان الجرمانيون يحتفلون بـ “يول”، عيد النور في قلب الظلام، معتقدين أن النار تُساعد الشمس على العودة للحياة. وفي الشمال، كان الإله أودين يترك آسجارد ويتجول في السماء على صهوة حصانه، يراقب البشر ويكافئ أو يعاقب.
أما إذا أخذت أي طريق ووصلت إلى روما، ستجد أنهم احتفلوا بـ “ساتورناليا”، وهو مهرجان مكرّس للإله ساتورن: وليمة بلا نهاية، هدايا تُقدّم، وغناء في الشوارع.
اليوم، حين نضع الهدايا تحت الشجرة ونشعل الأضواء، نحن نكرر الطقس نفسه.
شجرة الميلاد رمز للحياة وسط الموت، نجمة في القمة تذكرنا بالشمس العائدة.
وهذا التشابه مع الاحتفالات الرومانية ليس صدفة. فقرار الاحتفال بميلاد السيد المسيح في ليلة 25 ديسمبر تم اتخاذه لأول مرة في روما نفسها، ليتزامن مباشرة مع العيد الوثني الكبير “ميلاد الشمس التي لا تقهر”. كانت خطة بارعة لاستبدال إله الشمس وابعاده عن الأذهان بدون صدام. أما لماذا يحتفل به في مصر يوم 7 يناير، فالسبب ليس اختيار يوم مختلف، بل استخدام تقويم مختلف. فكلا الكنيستين تحتفلان به يوم “25 ديسمبر”، لكن هذا التاريخ في التقويم اليولياني القديم الذي تتبعه الكنيسة القبطية، يوافق الآن 7 يناير في تقويمنا الحديث.
لكن… مع مرور القرون ولسبب ما تتسلل بعض العادات القديمة للطقوس الروحانية، بدلاً من أن تمحى وتستبدل.
فمع كل الأنوار والأشجار ذات النجوم، هل حقاً نحن نحتفل بمولد المسيح فقط؟ أم أننا دون أن ندري نشارك في استدعاء إلهٍ قديم اسمه الشمس، من آلهة لم تمت بعد؟
عيد الفصح: بيض ملوّن لأوستارا
الربيع يأتي بالزهور والحياة الجديدة. نلون البيض، نضعه في السلال، ونضحك مع الأطفال. لكن ما علاقة البيض والأرانب بالقيامة؟
في أوروبا القديمة، كان هناك إلهة تُدعى أوستارا (Ēostre)، سيدة الخصوبة. كانت تُكرّم في الاعتدال الربيعي، حيث يتساوى الليل والنهار، وتبدأ الأرض في التجدد. وكان البيض رمز الحياة والميلاد الجديد، والأرانب رمز الخصوبة، فقُدّمت للإلهة كعلامة على الشكر والتجديد.
أما اليوم، حين نخبز الكعك بالبيض الملوّن، أو نضع أرنباً من الشوكولاتة، قد نظن أنها مجرد عادة بريئة. لكن الحقيقة أنها طقوس إحياء لإلهة قديمة، تُستدعى كل ربيع حين نكرر هذه الرموز.
هل فكرنا يومًا أن كل بيضة تلونها وأرنب من الشوكولاتة تهديه، هو في الحقيقة قربان رمزي قديم لإلهة الربيع والخصوبة “أوستارا”؟
نضعه ببهجة ونحن نعيد دون وعي طقس قديم؟
عيد الحب: دماء لوبركاليا
في منتصف فبراير، تمتلئ المحلات بالورود الحمراء والقلوب. تسهم العيون وأخيراً يغتني بائعي الورد والشوكولاتة، فنحن نحتفل بالحب!
لكن في روما القديمة، كان لهذا الشهر طقوس أبعد ما تكون عن الرومانسية، والأحمر كان درجة من 50 درجة رمادية…
عيد لوبركاليا كان مهرجانًا للخصوبة مكرّسًا للإله “فاونوس” وذئبة روما الأسطورية. الكهنة يذبحون ماعزاً وكلباً، ثم يلطخون جلود الحيوانات بالدماء، ويجرون بها في الشوارع وهم يجلدون النساء، اعتقاداً أن ذلك يجلب لهن الخصوبة!
وبعد ذلك تُجرى طقوس “القرعة” لاختيار شركاء عشوائيين لقضاء الأيام التالية معاً.
واليوم، حين نقدّم الورود الحمراء التي ترمز للحب، لونها الأحمر ليس إلا صدى لدماء القرابين والجلود التي كانت تجلد بها النساء في مهرجان لوبركاليا الدموي… وفي كل قلب ورقي نهديه، نعيد، دون قصد، إحياء طقس روماني غارق في الدماء.
رأس السنة: يانوس ذو الوجهين
تيك.. توك.. الساعة تقترب من منتصف الليل، الناس يعدّون الثواني، ثم يأتي الصراخ والتهليل والألعاب النارية تملأ السماء. لكن… لماذا هذا التوقيت بالذات؟
يمكنك لوم الرومان، فهم من جعلوا يناير بداية العام، وأطلقوا عليه اسم إله البوابات يانوس، ذو الوجهين: واحد ينظر إلى الماضي، والآخر إلى المستقبل – العام الماضي والجديد.
في ليلة رأس السنة، كان الرومان يقدمون القرابين له، يطلبون منه أن يفتح لهم أبواب الحظ ويغلق أبواب الشر. أما الأصوات العالية، الطبول والألعاب؟ كانت لطرد الأرواح الشريرة، بالطبع، ماذا كنت تتوقع؟
اليوم، الألعاب النارية والضجيج عند منتصف الليل، هي نسختنا الحديثة من الطقوس الرومانية القديمة لطرد الأرواح الشريرة وإرضاء الإله يانوس، الذي نسيه الناس إسماً فقط.
هل يبتسم يانوس من الظلال، وهو يرى أننا ما زلنا نحيي عيده من دون أن ندري؟
بيلتين وماي داي: نار الأرض ورقصات الخصوبة
في مطلع مايو، وانحسار البرد ومع سطوع الشمس يرقص الناس حول أعمدة مزيّنة بالزهور، يحتفلون بالربيع والحياة.
لكن هذا المشهد له جذور في عيد بيلتين الكِلْتِي، حيث كانوا يشعلون نيرانًا ضخمة لدرء الأرواح الشريرة (مرة أخرى)، ولتشجيع الأرض على أن تنبت وتعطي ثمارها. الرقص حول النار أو العمود المزيّن لم يكن مجرد مرح… بل كان نداءً للآلهة كي تبارك الحقول والنساء معاً (أجل، أيضاً مرة أخرى).
اليوم، الزهور والرقصات تبدو بريئة. لكن يخيم على ضوء النار ظلّ قديم: نحن نكرر نفس الاستدعاء، نرقص ونغني…
الرقص حول العمود المزخرف ليس مجرد احتفال بالربيع، بل هو تكرار لنداء الخصوبة القديم الموجه لآلهة الأرض في عيد بيلتين.
الخاتمة: هل تركنا إرثنا القديم حقاً؟
الأعياد التي نراها في تقويمنا ليست مجرد أيام للمرح أو الدين، بل بقايا طقوس قديمة، نُفّذت على مدى آلاف السنين.
الاستبدال في معظمه لم يكن مصادفة، بل كانت أذكى حملة إعلامية روحية في التاريخ: فبدلًا من تدمير الآلهة القديمة، أعطتها العقيدة الجديدة أقنعة جديدة وأسماء مختلفة.
لكن، الآلهة التي عُبدت يوماً ما ربما لم تمت، بل ما زالت تنتظر في الظلال، تستمع لأغاني البشر وتبتسم عندما نشعل النيران أو نزين الأشجار أو نلوّن البيض.
نحن نظن أننا نحتفل… لكن ربما، نحن في الحقيقة نُعيد استدعاء قوى قديمة، كل عام، في نفس الأيام، بنفس الرموز، عندما أعدنا تدوير نفس طقوس الأجداد…
فمن يدري؟ ربما حين نضحك ونغني… هناك من يراقب من وراء الحجاب، راضٍ بأننا لم ننسَ بعد.