في عالم مليء بالمعلومات، أصبحت القدرة على سرد القصص والحكاية المشوقة أكثر قيمة من أي وقت مضى. الحكايات هي شكل فني قديم، من الحضارة المصرية القديمة، و”الحكواتي” بعد ذلك، والعرب القدامى، إلى اليونان والقبائل السلتية وسكان أمريكا الأصليين. سرد القصص كانت دوماً وسيلة للتعليم والترفيه والتأريخ، وتربطنا على المستوى الإنساني.
لذلك، سواء كنت تكتب رواية أو تصمم حملة تسويقية أو تقدم فكرة، فإن إتقان فن سرد القصص يمكن أن يحول رسالتك من مجرد رسالة عادية إلى رسالة لا تنسى!
سرد القصص: ما هو؟
في جوهره، يتعلق سرد القصص بمشاركة تجربة أو نقل رسالة بطريقة تجذب اهتمام الجمهور. القصص الرائعة تحرك المشاعر وتثير الخيال وتلهم المستمع.
قديماً، كانت الحكايات تحاك شفهياً، يحكيها الراوي بلسانه وينقل التأثير بحركاته وتعبيراته وطريقة سرده للقصص. وتحولت إلى الكلمة المكتوبة فعمل الكاتب على تطوير أساليب التصوير اللفظي، وربط القارئ بالكلمات والتشويق بدون مؤثرات صوتية – وبدون تفاعل متواصل مع الجمهور. أما الآن، في عصر الوسائط الرقمية، الجميع أصبح راوٍ لقصته، أو قصص أخرى. والمؤثرات أصبحت أسهل والتفاعل أصبح لحظياً.
فما الذي يجعلك تتميز في سرد قصصك؟ يكمن مفتاح سرد القصص الفعّال في فهم العناصر التي تجعل القصة ممتعة – ومقنعة. لكن قبل أن تحكي حكاية، من المفترض أن تعرف من الذي يسمع!
لمن نحكي القصص؟
قبل أن تبدأ في صياغة قصتك، من الضروري أن تعرف من هو جمهورك وما الذي يهتم به. هل يبحثون عن الإلهام أو الترفيه أو المعلومات؟ إن معرفة جمهورك تسمح لك بتخصيص قصتك لتتناسب مع اهتماماتهم واحتياجاتهم، مما يزيد من احتمالية تجاوبهم معها. يساعد فهم جمهورك أيضًا في تحديد نبرة وأسلوب سرد القصص. ستختلف القصة المخصصة للأطفال الصغار بشكل كبير عن القصة الترفيهية للكبار، عن الموجهة للأعمال مثلاً.
عن من تحكي؟
الحكاية لن تعني شيئاً بدون أبطال نتعاطف معهم، فالشخصيات هي قلب أي قصة. هي التي تقوم بإيصال المشاعر ويرتبط بها المتلقي، بل ويضع نفسه مكانها.
إن إنشاء شخصيات يمكن التعاطف معها ومتعددة الأبعاد يسمح للجمهور بالتواصل مع القصة على المستوى الشخصي. سواء كان بطلاً يتغلب على الشدائد أو انساناً عادياً يصارع ضعفه وخيبات أمله، أو خاطئاً يسعى إلى الخلاص، عند سرد القصص، فإن الشخصيات التي تتطور بشكل جيد تجعل الحبكة ممتعة، وتثير التعاطف. امنح شخصياتك عمقاً من خلال بناء خلفية الشخصية من نشأتها وميولها والرغبات والصراعات الداخلية. هذا يجعلها أكثر واقعية وقابلة للارتباط مع الجمهور.
ماهو اطار القصة؟
جمهورك وصل وجلس ليسمعك… وأبطال قصتك ارتدوا ملابس الشخصيات واستعدوا كي يراهم الجمهور من خلال كلماتك… ولكن، كيف ستجعل الجمهور يجلس حتى كلمة النهاية؟
إن الحبكة الجذابة في سرد القصص ضرورية لإبقاء جمهورك منتبهاً. فهي توفر الإطار لقصتك، وتقود الجمهور خلال السرد. تتضمن الحبكة القوية عادةً مقدمة، وحدثاً أو أحداثاً متصاعدة، لتصل إلى الذروة أو قمة الأحداث – والصراع – وحدثاً هابطاً، إلى أن تصل إلى الحل. يمكنك تخيلها مثل الأفعوانية في الملاهي Rollercoaster وكيف تبدأ هادئة، مستمتعاً بالجو الجميل، لتجد أن المسار يصعد بك إلى الأعلى ببطء، ثم أسرع بينما تسأل نفسك إذا كنت أخطأت بركوبك هذه اللعبةـ حتى تصل إلى القمة وتقف المركبة، ولكن شيء ما يخبرك أن الأسوأ لم يأت بعد، وأنه كان يجب أن تحضر ملابس نظيفة إضافية… ولكن هذا ليس موضوعنا الآن!
يلعب كل جزء في القصة دوراً حاسماً في بناء التوتر والحفاظ على اهتمام الجمهور. يجب أن تكون الحبكة مدفوعة بالصراع والمخاطر، مما يجعل الجمهور منتظراً الحسم والنتيجة.
كيف تصيغ القصة؟
لا بد أنك تعلم أن أحسن القصص هي التي يعيش فيها المستمع، أو القارئ بالطبع. ولا شيء ينقل المتلقي إلى عالم القصة مثل وصفك هذا العالم، فيرى البطل – بملابس الشخصية التي ارتداها – ويجلس معه في غرفته، ويجلس خلفه في الباص، ويرى دموعه وتعبه في معاناته حتى يفرح معه ويحتفلان سوياً بالوصول إلى الحل.
تضفي اللغة الوصفية الحياة على قصتك، مما يسمح للجمهور بتصور المشاهد، والشعور بالعواطف، والانغماس في السرد. استخدم الصور الحية والتفاصيل الحسية والاستعارات لرسم صورة في ذهن القارئ. ولكن احرص على عدم الإفراط في استخدام الصفات والظروف، لأنها قد تؤدي إلى إرباك كتابتك وإبطاء القصة. يجب أن تعزز اللغة الوصفية القصة، وليس أن تنتقص منها.
هناك عدد من الكتاب الذين أتقنوا وصف عالم قصصهم باستخدام اللغة الوصفية ببراعة، مثل جابرييل جارسيا ماركيز Gabriel García Márquez، و إدجار آلان بو Edgar Allan Poe,
ماهو الصراع؟
الصراع هو القوة الدافعة وراء أي قصة. فهو يخلق التوتر ويدفع سرد القصص إلى الأمام. سواء كان صراعاً شخصياً، أو صداماً بين المثل والمبادئ، أو عقبة خارجية، فإن الصراع يجعل الجمهور مهتماً بالنتيجة. من الضروري موازنة الصراع مع الحل، وتوفير خاتمة مرضية للقصة. فبدون صراع، لا يوجد تقدم أو تغيير في السرد.
ماهو موضوع القصة؟
الموضوع “Theme” هو الرسالة الأساسية أو الدرس الذي تستمده من القصة. فهو يضيف العمق والمعنى إلى السرد، ويترك للجمهور شيئاً ليفكر فيه بعد انتهاء القصة. يمكن أن تكون الموضوعات عامة، مثل الحب أو الصداقة أو الشجاعة، أو يمكن أن تكون أكثر تحديداً وعمقاً، فتتناول القضايا الاجتماعية أو النمو الشخصي والمواجهة الأصعب على الإطلاق، الذات. يعزز الموضوع التأثير القصة، ويمنحها أهمية أعمق.
ماذا يشعر الجمهور؟
تثير القصص الرائعة المشاعر، وتحرك الأحاسيس مثل القلق والخوف، الترقب، والحزن والفرح أيضاًـ مما يجعلها لا تُنسى ومؤثرة. الإثارة والمشاعر تخلق رابطاً بين الجمهور والقصة. لا شك أنك لن تهتم إذا قام البطل بحل مشكلته أم لا إذا لم تتعاطف معه أصلاً!
استخدم الحوار والحوارات الداخلية والإشارات العاطفية لنقل مشاعر الشخصيات وتجاربها. المشاركة العاطفية هي ما يجعل القصص ذات صدى لدى الجمهور، وتترك انطباعاً دائماً. مثل منشورات الفيسبوك التي تتلاعب بالمشاعر فتشعرك بالغضب أو الحزن حتى تمرر رسالة تسويقية أو فكرٍ ما… ألم أقل لك أن السرد القصصي يدخل حتى في التسويق؟
هل تشعر بالإيقاع؟
يمكن أن تؤثر بنية وإيقاع قصتك بشكل كبير على كيفية تجربة الجمهور للسرد. مثلاً، تغيير طول الجملة وبنيتها إلى خلق شعور بتسارع الأحداث والحركة. فلا يمكنك وصف مطاردة مثلاً باستخدام وصف تفصيلي وجمل طويلة، وإلا سيشعر القارئ بعدم عجالة الحدث. فالجمل القصيرة والحادة تزيد من التوتر والإلحاح، وتعطي تركيزاً على نقاط معينة في المشهد، في حين يمكن أن توفر الجمل الأطول المسترسلة التأمل والعمق، إنك لن تصف تأمل البطل في انسياب النهر مع حبيبته بكلمات مثل “وقف على حافة النهر يتأمله” فهذا لن ينقل إلى القارئ استمتاعه باللحظة، ولكن عدم اكتراثه بالمشهد. يمكن أن توجه الطريقة التي تبني بها قصتك الرحلة العاطفية للقارئ، وتضمن بقائه مندمجاً طوال الوقت.
سرد القصص: الفصل الأخير
يعتبر فن سرد القصص أداة قوية لجذب انتباه جمهورك ونقل رسالتك. من خلال فهم جمهورك، وإنشاء شخصيات يمكن التعاطف معها، وتطوير حبكة قوية، واستخدام لغة وصفية، ودمج الصراع في نسيج القصة، واستخدام موضوع أو تيمة، واستخدام العواطف، والبنية والإيقاع، يمكنك تحويل قصتك من عادية إلى غير عادية.
سواء كنت تكتب رواية أو تصمم حملة تسويقية أو تشارك تجربة شخصية، فإن إتقان تقنيات سرد القصص سيساعدك على التواصل مع جمهورك على مستوى أعمق. لا يقتصر سرد القصص على سرد قصة فحسب؛ بل يتعلق أيضًا بخلق تجربة تظل عالقة في أذهان جمهورك لفترة طويلة بعد الانتهاء من القراءة.