تخيل عالمًا بدون الإنترنت، نظام تحديد المواقع GPS، أو الاكتشافات الطبية مثل لقاح الجدري؟ غير أنك لن يكون بمقدورك قراءة هذا المقال بدون انترنت (أو كهرباء)، فإن هذه الاكتشافات ليست سوى نبذة بسيطة من مساهمات ما يمكن أن نطلق عليه “الإمبراطورية الأمريكية”، وهي الإمبراطورية التي يوجه لها الكثيرين الغضب والاتهامات – المبررة في كثير من الأحيان.
ولكن لماذا نشير إليها على أنها إمبراطورية، وما هو تأثيرها على البشرية؟ نكتب هذا المقال مع قرب الانتخابات الأمريكية 2024، وبعد أحداث هامة مثل انسحاب الرئيس بايدن من سباق الرئاسة ومحاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب. إنه الوقت الأمثل لمراجعة التاريخ الأمريكي، ومناقشة جانب آخر منه.
الولايات المتحدة: الإمبراطورية الأمريكية
يشير مصطلح “الإمبراطورية” إلى دولة قوية ذات نفوذ وسيطرة واسعة النطاق على دول أخرى. الولايات المتحدة، بقوتها الاقتصادية والثقافية والعسكرية الهائلة، تناسب هذا الوصف.
مثل أي إمبراطورية، فإن الإمبراطورية الأمريكية لها جوانب مختلفة – بعضها إيجابي وبعضها سلبي. إن إدراك هذه التعقيدات أمر بالغ الأهمية لفهم النطاق الكامل للنفوذ الأمريكي. على الرغم من الخلافات، لا يمكن تجاهل المساهمات الإيجابية للولايات المتحدة في العلوم والتكنولوجيا والثقافة والتنمية العالمية.
التقدم العلمي في العصر الحديث
تتمتع الولايات المتحدة بتاريخ حافل بالاكتشافات العلمية التي أثرت بشكل كبير على البشرية. ففي عام 1879، اخترع توماس إديسون المصباح الكهربائي ، مما أحدث ثورة في كيفية إضاءة عالمنا، برغم انقطاعات التيار في العديد من الدول في العام 2024. كما أرسى اكتشاف الإلكترون بواسطة جيه جيه تومسون في عام 1897 الأساس للإلكترونيات الحديثة!
وفي عام 1905، غيرت نظرية النسبية لألبرت أينشتاين فهمنا للزمان والمكان. بالإضافة إلى ذلك، مهد اختراع الطائرة بواسطة الأخوين رايت في عام 1903 الطريق للطيران الحديث، مما أدى إلى تغيير جذري في وسائل النقل. كيف كانت ستكون إجازاتك بدون الطيارات؟ أيضاً، برغم ارتفاع أسعار التذاكر في العام 2024.. هل ينحدر العالم للأسوأ؟ لعله مقال لوقت آخر…
التقدم التكنولوجي بدون أمريكا…
نعيش حالياً في عصر يعتمد على التقنية بشكل أساسي وحيوي. والعديد من هذه الاكتشافات المحورية كان مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية. على سبيل المثال، يمكن أن يُعزى اختراع الإنترنت، الذي أحدث ثورة في الاتصالات والوصول إلى المعلومات على مستوى العالم، إلى البحث والتطوير الأمريكي. وعلى نحو مماثل، طبلك لوجبة الغداء على الانترنت أصبح أسهل بسبب تطوير تقنية نظام تحديد المواقع العالمي GPS، والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من أنظمة الملاحة في جميع أنحاء العالم، وهي طورت على يد وزارة الدفاع الأمريكية. أما في مجال الرعاية الصحية، فتطعيمات الأطفال مثلاً التي قللت من معدل الوفيات نتيجة لأمراض أصبحت اليوم بسيطة أو نادرة كانت نتاج لابتكارات أمريكية، بالإضافة إلى التقدم الكبير في البحث الطبي وأنظمة تقديم الرعاية الصحية.
التأثير الثقافي الأمريكي
لقد كان للثقافة الأمريكية، من خلال الأفلام والموسيقى والأدب، تأثير عميق على الثقافة العالمية. فقد أنتجت هوليوود، مركز صناعة الأفلام العالمية، عدداً لا يحصى من الأفلام التي لها متابعة ومشاهدة عالية في جميع أنحاء العالم. برغم كل الاختلافات والانتقادات لهوليوود، لا يمكن انكار الأثر الذي تركته الأفلام الكلاسيكية مثل فيلم “ذهب مع الريح” (1939) و”كازابلانكا” (1942) على الفنون العالمية. وأصبح نجوم مثل مارلين مونرو، وهمفري بوجارت، وجيمس دين أيقونات عالمية.
وبعيدًا عن الأفلام والموسيقى، فقد أثرى الأدب الأمريكي الثقافة العالمية. فقد قدم مؤلفون مثل مارك توين (The Adventures of Tom Sawyer)، وإرنست همنجواي (The Old Man and the Sea)، وف. سكوت فيتزجيرالد (The Great Gatsby) أعمالًا خالدة، حولت حتى لأفلام.
القوة الاقتصادية الأمريكية: محل الخلاف
برغم الكثير من الاعتراضات والانتقادات للممارسات الاقتصادية الأمريكية، علينا أن نعرض أيضاً مساهمة الولايات المتحدة في النمو الاقتصادي العالمي. فقد قدمت الشركات الأمريكية منتجات وخدمات رائدة، مما عزز المنافسة ودفع العالم للتقدم، حيث أن المنافسة – والتحديات – هي المحفز الأساسي للابتكار والتطور.
ولا يزال وادي السليكون موطناً لبعض شركات التكنولوجيا الأكثر نفوذاً في العالم، ومركزاً للابتكار وريادة الأعمال. وعلاوة على ذلك، دعمت سياسات التجارة الأمريكية تنمية الاقتصادات في مختلف أنحاء العالم، وكذلك أحد أساليب الهيمنة وذراع من أذرع الامبراطورية الأمريكية.
الامبراطورية الأمريكية: شكوك وانتقادات
من الضروري أن نناقش الشكوك والانتقادات الموجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. فقد أثارت التدخلات العسكرية المباشرة في بلدان مثل فيتنام والعراق وأفغانستان نقاشات حول الدوافع الأميركية والتأثيرات الطويلة الأجل على هذه المناطق. كما أدت التدخلات السياسية والدعم للأنظمة التي تتوافق مع المصالح الأميركية إلى تعقيد التصور العالمي للولايات المتحدة. وقد دفعت هذه الإجراءات الكثيرين إلى التشكيك في الآثار الأخلاقية المترتبة على السياسة الخارجية الأميركية والتزامها بحقوق الإنسان والديمقراطية.
خلاصة القول
في حين أن مفهوم الإمبراطورية الأميركية قد يكون مثيراً للجدال، فإن تأثيراتها الإيجابية على الإنسانية لا يمكن إنكارها. فمن الابتكارات التكنولوجية والمساهمات الثقافية في النمو الاقتصادي والاكتشافات الطبية، لعبت الولايات المتحدة دوراً هاماً في تشكيل العالم الحديث. ومن الضروري أن ندرك أنه لا يمكن تلخيص أي شيء في جانب واحد فقط، متغافلين بقية الجوانب – الإيجابية والسلبية – بحسب ما يناسب رؤيتنا أو توجهاتنا، من أجل التوصل إلى فهم متوازن ورؤية الجمال والإيجابية حيث لا يمكنك ذلك.