ظلوا في الخفاء ثم سطع نجمهم: 5 شخصيات شهيرة عملوا كجواسيس
صوت خطوات هادئة تقترب، ثم تتوقف خلف الباب. 3 طرقات بطيئة، واثقة، وشخص يقول:”هل طلبتم مقال جديد؟” – لا تقلقوا، هذا أنا! إذا كنتم قد استمتعتم بمقالتي السابقة عن التجسس والجواسيس الخياليين المستوحين من أساطير واقعية، مثل جيمس بوند الأنيق، أو البطل المصري الشهير رأفت الهجان، عبقري الخداع الذي تغلغل في المجتمع الإسرائيلي، فاستعدوا جيدًا.
هذه المرة، سنقلب الطاولة في الجزء الثاني: أشخاص حقيقيون مشاهير لكنهم بدأوا حياتهم المهنية في عالم المخابرات والتجسس الغامض، ثم ارتقوا فجأة إلى الشهرة في مجالات مختلفة تماماً.
هؤلاء ليسوا مجرد عملاء سريين عاديين؛ بل قاموا باستغلال مهاراتهم وخبراتهم التجسسية المكتسبة ليصبحوا مشاهير كرؤساء دول، وطهاة، ومؤلفين، وغيرهم.
نحن نتحدث عن دمج عالم المؤامرات عالية المخاطر مع أسماء مألوفة للجميع. من كان يظن أن عالم التخفي والتآمر يمكن أن يؤدي إلى صفقات كتب طبخ أو كراسي الحكم في الكرملين؟
- فلاديمير بوتين: من عميل تجسس في الـ KGB إلى زعيم روسيا
فتانا “فلاد” (وأرجو ألاّ يقرأ المقال) لم يكتفِ بوضع قدمه في عالم التجسس، بل انصهر فيه وارتقى في درجاته.
وُلِد بوتين عام 1952 في لينينجراد (الآن سانت بطرسبرغ)، وانضم إلى الـ KGB مباشرة بعد تخرجه من الجامعة حيث درس القانون في عام 1975، وتخصص في مكافحة التجسس والعمليات الخارجية.
أمضى سنوات في درسدن بألمانيا الشرقية، حيث كان يجند العملاء ويستكشف الأسرار الغربية تحت إدارة “مديرية S” التابعة للإدارة الرئيسية الأولى (فريق “العملاء السريين” المتخصص في التجسس العميق).
ننتقل بسرعة إلى التسعينيات: يتفكك الاتحاد السوفيتي، ويتقاعد بوتين برتبة مقدم، ويقوم ب Career Shift ويتحول إلى السياسة. بحلول عام 1999، يصبح رئيساً لروسيا، موجهاً مهاراته في الإدارة والتحكم التي صقلتها خبرته التجسسية ليستمر على رأس السلطة لأكثر من 25 عاماً.
يُقال إن أيامه في الـ KGB ألهمت حبه لتقنيات الجودو في الإطاحة بالخصوم، سواء كانت حقيقية أو جيوسياسية. من حرق الوثائق خلال سقوط جدار برلين إلى استضافة القمم في ألاسكا، أثبت بوتين أن حرفة التجسس هي أفضل معسكر تدريبي للقادة.
- جوليا تشايلد: من ملفات تجسس الـ OSS إلى وصفات الطعام
قبل أن تكون جوليا تشايلد ملكة أمريكا للزبدة و”البويف بورغينيون”، كانت غارقة في الأسرار الحربية!
في عام 1942، انضمت ذات القامة العملاقة التي تبلغ 1.88 متراً إلى مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS)، والتي سبقت وكالة المخابرات المركزية (CIA) خلال الحرب العالمية الثانية، بعد أن رفضتها البحرية لكونها “أطول من اللازم”. لا بد أنهم رأوا أنها ستكون هدفاً سهلاً على سطح السفن.
بدأت كطابعة في واشنطن العاصمة، حيث لم تعط الفرصة للنساء للعمل إلا في الأعمال السكريتارية بشكل عام، وغير ذلك كان الاستثناء.
لكنها سرعان ما ترقت لتصبح رئيسة سجلات الـ OSS، حيث كانت تتعامل مع وثائق سرية للغاية. وكانت من الذكاء والمهارة حتى أنها قامت بصناعة طارد أسماك القرش لحماية المتفجرات تحت الماء من الأسماك الفضولية.
بعد أن تم إرسالها إلى سيلان (سريلانكا حالياً) والصين، قامت بتنسيق المعلومات الاستخباراتية للعملاء الحلفاء. أي أنها كانت تملأ تقارير التجسس بدلاً من وصفات الطعام!
بعد الحرب، تزوجت من زميلها في الـ OSS، بول تشايلد، وانتقلت إلى فرنسا، واستبدلت الملفات السرية بمدارس الطهي، حتى أن تحفتها الفنية عام 1961 ،Mastering the Art of French Cooking (إتقان فن الطبخ الفرنسي)، أدت إلى إطلاق إمبراطوريتها التلفزيونية.
السؤال هنا: هل نشأت عبارتها الشهيرة “شهية طيبة” (bon appétit) في أروقة الاستخبارات عندما كانت تمرر التعليمات تحت أنف العدو وتخدعه؟ لكن الأكيد أن التجسس أضاف البهارات على حياتها.
- إيان فليمنج: عبقري المخابرات البحرية الذي أنشأ شخصية “بوند”
في المقال السابق تحدثنا عن أشهر جاسوس في العالم “بوند”، وهنا نتحدث عن الرجل الذي أنجبه وكيف هو نفسه بدأ حياته كجاسوس.
إيان فليمنج، الصحفي البريطاني الأنيق، انضم إلى المخابرات البحرية في عام 1939 مع بداية الحرب العالمية الثانية (التي من الواضح أنها أنجبت عدداً غير محدود من الجواسيس”.
بصفته مساعداً لمدير المخابرات البحرية، قام بتدبير عمليات مثل “مذكرة سمكة السلمون Trout Memo” وهي عصف ذهني جامح لتكتيكات الخداع، بما في ذلك إلقاء وثائق مزورة على جثث عائمة لخداع النازيين.
تعاون فليمنج مع الـ OSS، وساعد في تأسيس وحدات كوماندوز النخبة، واحتك بكبار الشخصيات المستقبلية في وكالة المخابرات المركزية.
بعد الحرب، وجّه ماشحنه في تلك الأيام المليئة بالأدرينالين إلى الكتابة. في عام 1953، قدم كتاب “كازينو رويال” شخصية جيمس بوند، مستلهماً إياها من مغامرات فليمنج الخاصة التي كانت تتسم بحب الأدوات التقنية واحتساء المارتيني.
هل تعلم أن أجواء “رخصة القتل license to kill ” التي يتمتع بها بوند جاءت مباشرة من أوامر فليمنج الحقيقية بالاستيلاء على كتب شفرات العدو؟ لقد كان ذلك البوند من ذاك الفليمنج.
- روالد دال: العميل الساحر في الـ MI6 الذي أغرق العالم بالشوكولاتة
قبل وقت طويل من تذاكر ويلي ونكا الذهبية أو القدرات الحركية عن بعد لماتيلدا، كان روالد دال جاسوساً بريطانياً لبقاً يتودد إلى النخبة في واشنطن.
بعد أن أسقطت طائرته التابعة للقوات الجوية الملكية في الحرب العالمية الثانية، تم إبعاد دال بسبب إصاباته وأعيد تعيينه في السفارة البريطانية بواشنطن العاصمة في عام 1942.
هناك، انضم إلى حلقة سرية تابعة للـ MI6، مستخدماً ذكاءه ووسامته لاستخلاص الأسرار من الشخصيات الاجتماعية الأمريكية والسياسيين، بل وحتى إقامة علاقات رومانسية مع وريثات ثروات للحصول على معلومات استخباراتية حول عزلة الولايات المتحدة.
أما رئيسه؟ لم يكن أحداً سوى إيان فليمنج (عالم صغير!) شملت مهام دال الدعاية، ونشر المعلومات المضللة، واستخدام المحادثات الخاصة للتأثير على دعم الحلفاء. بعد الحرب، تحول إلى… أدب الأطفال!! مضيفاً إلى قصصه مثل “تشارلي ومصنع الشوكولاتة” تلك الجوانب المظلمة التي تعلمها في عالم الظلال.
كان الاسم الرمزي لجاسوسية دال هو المقدام (Intrepid) وهو اسم مناسب لرجل كان في يوم من الأيام يطير بالطائرات المقاتلة ثم كتب لاحقاً عن “الأومبا لومبا”…
- جراهام جرين: عميل الـ MI6 الذي ألف روايات تجسس مليئة بالارتياب
هذا الروائي البريطاني لم يكتب عن الجواسيس فحسب، بل عاش حياتهم. تم تجنيد جراهام جرين، الذي كان يعمل بالفعل في الصحافة والقصص الخيالية، من قبل الـ MI6 في عام 1941 وسط فوضى الحرب العالمية الثانية (لا تقل أنك تفاجأت).
بعد أن تم إرساله إلى سيراليون، أدار شبكة عملاء كانوا يراقبون عمليات القوات الفرنسية التابعة لحكومة فيشي والألمان، ويصطادون الماس المهرب، ويواجهون جواسيس العدو في غرب أفريقيا…
حياة حافلة! ماذا أنجزت أنت في آخر خمس سنوات؟ أما رئيسه في لندن؟ كيم فيلبي، العميل المزدوج السوفيتي سيئ السمعة!
غذّت أعمال جرين الاستخباراتية تحفه الفنية بعد الحرب مثل “قلب المسألة” وتدور أحداثها في سيراليون، و “الأمريكي الهادئ”، حيث مزج الغموض الأخلاقي مع التجسس. وأصبح الجاسوس عملاقاً أدبياً، مع كتب تم تحويلها إلى أفلام حائزة على جوائز الأوسكار.
يقال أن جرين اقترح مرة على سبيل المزاح إنشاء بيت “سيء السمعة” يعمل فيه الجواسيس. لكن الـ MI6 لم تضحك، وأخذت الفكرة على محمل الجد. المعضلات الأخلاقية والخيانات المزدوجة؟ جاءت مباشرة من مذكرات تجسسه.
تأكد أن لا أحد اتبعك إلى هنا
ها هم خمسة من الرواد الذين استبدلوا المعاطف الطويلة وكلمات السر بالنجاحات في السياسة، والطهي، والأدب. تُظهر هذه القصص كيف أن حياة الجاسوسية تشحذ مهارات مثل الملاحظة، والقدرة على التكيف، وعلى التحكم في ردود أفعال الوجه، مما دفعهم إلى الشهرة.
إذا كان بوند والهجان قد أثارا حماسك في المرة الأخيرة، فتخيل ما يمكن أن يلهمه هؤلاء الشخصيات الأصلية الحقيقية في المرة القادمة. هل هناك جاسوس مفضل تحول إلى نجم فاتني ذكره؟ شاركنا رأيك في التعليقات أدناه، أو إذا كنتم تريدون جزء ثالث (فلدي المزيد بالفعل!)
وفي النهاية، قل لي: هل مديرك في العمل حقاً “مديرك” فقط؟ عذر جيد للإبلاغ عنه… فلنبق البارانويا مستمرة.