معلومة جديدة.. في 5 دقائق

لماذا نجد سحراً في الموسيقى؟

الموسيقى وسحرها - صورة اسطوانة فينيل -- Magic of Music, a photo of a vinyl Photo by Elviss Railijs Bitāns: https://www.pexels.com/photo/blue-vinyl-record-playing-on-turntable-1389429/

“اللي شفته.. قبل ما تشوفك عينيا.. عمر ضايع يحسبوه ازاي عليا؟” تتردد من غرفة ما، بينما يلعب طفل صغير لا يتجاوز الرابعة بألعابه وحده في غرفته، مستمعاً لصوت أم كلثوم العميق القوي، لكن ما يأسره حقاً هو الموسيقى للعبقري الخالد محمد عبد الوهاب. موسيقى آسرة كالسحر متناعمة بشكل لا يستوعبه الطفل الصغير، ولكنها تحرك مشاعره حتى أن ذاكرته سجلت هذا المشهد وكتبت عليه “ذكرى قيمة للحفظ”.

هذا الطفل المسحور هو أنا، وبقصص مثل هذه بدء افتتاني بالموسيقى وتناغم الألحان والإيقاع. وبرغم إنني لم أدرس الموسيقى، واقتصرت مهاراتي على العزف على بعض الآلات سماعاً فقط، إلا إنني رغبت دوماً في معرفة إجابة سؤال مهم: مالذي يجعل بعض الموسيقى جميلة وجذابة، بل وأنيقة أحياناً، وبعض الموسيقى منفرة وغير متناغمة؟

أخيراً قررت أن أذهب في رحلة لفهم الموسيقى، وأتشارك معكم اكتشافاتي خلال رحلتي إلى عالم اللحن والإيقاع والتناغم الساحر، وكشف أسرار تأثير الموسيقى فينا.

حتى الموسيقى لها نظرية

لبدء رحلتي، كان علي أن أفهم أساسيات نظرية الموسيقى. الموسيقى هي في الأساس مزيج من الإيقاع واللحن، والتناغم بينها. فتعرفت على كل منها:

  • الإيقاع هو الذي يحدد شكل القطعة الموسيقية ورتمها وسرعتها. وهو نمط “النبضات” في القطعة الموسيقية. الإيقاع هو الذي يحدد روح الموسيقى، وهو الذي – لا شعورياً – نتفاعل معه بحركات من أجسامنا تبدو لا إرادية. كما قلت مراراً، إنه “سحر” الموسيقى، فتتمايل مع اللإيقاع، تطرق بقدمك على الأرض معه، أو تهز رأسك في انسجام كبحار سحره صوت عروس البحر. ويمكن أن يختلف الإيقاع بشكل كبير من قطعة لأخرى، من النبضات أو “الإيقاع” الثابت، إلى الإيقاع المعقد لموسيقى الجاز، مثلاً.
 
  • وهناك اللحن، هو تسلسل النوتات الموسيقية التي يُنظر إليها على أنها كيان واحد متصل، وإن كانت كل “نوتة” منفردة، وغالبًا ما تعمل كـ”صوت” للموسيقى. إنه الجزء من الموسيقى الذي ندنده ونغنيه مع المقطوعة، وهو عادةً الجانب الأكثر تذكراً في الأغنية، فترتبط في الذاكرة كذكرى من الطفولة مثلاً!
  • ثالثاً، التناغم، وهو في رأيي ماكنت أحاول فهمه عند بدئي هذه الرحلة. التناغم هو مزيج النوتات الموسيقية المختلفة التي يتم عزفها أو غنائها بشكل متزامن، مما يضيف العمق إلى اللحن وإعطائه قيمة ولون. فهو الذي يحرك المشاعر وينقل احساس المؤلف الموسيقي للمستمع. هو الذي ينقل لك مشاعر الخوف من الفقد أو القلق أو السعادة، ويوجهك كمستمع خلال رحلة عاطفية. إنه بالتأكيد ليس مجرد آلات موسيقية وأصوات تعزف بلا هدف… تعرفون ماذا أعني بالطبع!

النوتة الموسيقية مع شخص يعزف على البيانو - Musical Note and a person plays the piano Photo by Pavel Danilyuk: https://www.pexels.com/photo/fingers-on-piano-keys-with-music-sheet-7521227/

ما الذي يجعل الموسيقى ممتعة؟

لقد حاول العلماء والموسيقيون على حد سواء فهم ما يجعل الموسيقى ممتعة. فيما يلي بعض العوامل الرئيسية:

1. التوافق والتنافر:

يشير التوافق إلى التناغم والانسجام والاتفاق والتوافق بين النوتات التي يتم عزفها. المهم أن يكون صوت النوتات بشكل عام ممتعاً ومترابطاً.

من ناحية أخرى، يشير التنافر إلى عدم وجود انسجام بين النوتات، مما يخلق غالباً التوتر أو الشعور بعدم الاستقرار. الموسيقى التي تتحول من التنافر إلى التوافق في الغالب تشعرك بالرضا وتؤثر في مشاعرك.

2. البنية اللحنية:

مثل كل شيء مصنوع بشكل جيد، فاللحن المصمم جيداً لديه اتجاه وتوازن. غالبًا ما يتبع نمطاً أو بنية يجدها عقلنا ممتعة، مثل التكرار مع التنوع أو التشابه.

الألحان التي تتضمن هذه العناصر يمكن أن تثير المشاعر والذكريات، مما يعزز ارتباط المستمع بالموسيقى. هل ترتبط موسيقى ما لديك بذكرى معينة؟ شاركنا في التعليقات! أحب أن أسمع صوت ذكرياتك.

3. الرتم والإيقاع:

كما قلنا، يمكن أن يؤثر الإيقاع على مزاجنا ويدفعنا للحركة. الإيقاع القوي المتناسق يعطي للموسيقى الحيوية والجاذبية. بينما يمكن أن يخلق الإيقاع المتقطع، أو الاختلاف غير المتوقع في الإيقاع، أيضاً الاهتمام والمتعة من خلال مفاجأة المستمع وإضافة التعقيد والثراء للموسيقى.

الموسيقى نغم المشاعر

تتمتع الموسيقى بقدرة عميقة على إثارة المشاعر. لقد تعلمت في رحلتي أن هذا الارتباط العاطفي يمكن أن يتأثر بعوامل مختلفة، بما في ذلك الإيقاع والمفتاح الموسيقي والآلات الموسيقية.

  • قد يثير الإيقاع البطيء والمفتاح الثانوي مشاعر الحزن، في حين يؤثر الإيقاع السريع والمفتاح الرئيسي على مشاعرك بالبهجة والفرح.
  • الآلات الموسيقية، مثل استخدام الآلات الوترية، مثل البيانو والكمان والتشيلو – آلاتي المفضلة – أو النحاسية، مثل الترومبيت والترومبون، يمكن أن تؤثر  أيضاً على المشاعر التي تنقلها القطعة الموسيقية. أفضل مثال هنا هو موسيقى الجاز حيث تستخدم فيها هذا الآلات وموسيقى الجاز مشهورة بإثارة مشاعر عميقة من الحزن والشجن.

بهذا نلاحظ أن الموسيقى حقاً مثل الكتابة والرسم كشكل من أشكال التعبير العاطفي، مما يسمح لكل من المبدع والمستمع بالتواصل على مستوى شخصي، ونقل المشاعر. فالكتابة الموسيقية ليست مجرد ضربات على آلة وإنما تحمل رسالة على شكل نوتات موسيقية.

الجيد، السيء، والقبيح، في الموسيقى

لأن الرحلة كانت لتمييز الجيد من السيء في الموسيقى وفهم لماذا تصنف المقطوعة هكذا، لا بد من التطرق إلى صفات للمقطوعة سيئة السمعة:

  • الافتقار إلى الانسجام: الموسيقى غير المتناغمة، حيث تتضارب النوتات ولا يتم حلها بطريقة مريحة مرضية، يمكن أن تخلق شعوراً بعدم الراحة أو التوتر لدى المستمع. في حين يتم استخدام التنافر غالباً عن قصد لاستحضار المشاعر، فإن التنافر المفرط أو غير المحلول unresolved يمكن أن يجعل الموسيقى غير مرغوب فيها.
 
  • الرتابة: الموسيقى المتكررة مع القليل من التنوع في الإيقاع أو اللحن أو الحركة تصبح مملة ومزعجة. فتتحول المقطوعة إلى مقطوعة فقيرة بدون إحساس، وتعطي شعوراً بالثبات والركود.
 
  • التكوين السيئ: قد تبدو الموسيقى التي تفتقر إلى البنية أو بها انتقالات مكسورة، أو لا تتبع أي أنماط يمكن للمخ أن يتعرف عليها وينسجم معها مزعجة وفوضوية، مما يؤدي إلى تجربة استماع سلبية.
 
  • الإيقاع غير المتناسق: الإيقاع هو روح المقطوعة، فإذا كان إيقاع الموسيقى غير منتظم أو لا يتوافق جيداً مع اللحن والتناغم، فإن ذلك يخلق شعوراً بعدم الراحة والتضارب لدى المستمع.
 
  • الإفراط في استخدام المؤثرات أو الضوضاء: في بعض الأنواع، مثل تلك التي أصبحت مشهورة حالياً، تُستخدم المؤثرات والضوضاء بشكل “إبداعي”، ولكن إذا تم الإفراط في استخدامها أو تنفيذها بشكل سيئ، فقد تطغى على المستمع وتنتقص من التجربة الموسيقية.
 

التفضيلات الثقافية والشخصية

إن فهم الموسيقى يتضمن أيضًا الاعتراف بأن الخلفية الثقافية والتجارب الشخصية تشكل تفضيلاتنا. فما يعتبر ممتعًا في ثقافة ما قد لا يكون كذلك في ثقافة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر الارتباطات الشخصية بأغاني أو أنواع معينة على كيفية إدراكنا لها. على سبيل المثال، قد تثير الأغنية التي كانت شائعة خلال فترة سعيدة في حياتنا مشاعر إيجابية كلما سمعناها.

رجل يعزف الموسيقى - موسيقى الجاز Jazz Music - A man plays music Photo by Victor Freitas: https://www.pexels.com/photo/silhouette-of-a-man-playing-saxophone-during-sunset-733767/

لولا اختلاف الأذواق…

برغم أني أعلم جيداً أي الموسيقى أفضل وأقدِّر، لكن لإكمال الرحلة بشكل سليم كان علي تفهم التنوع الموسيقي. فاستكشفت أنواعاً مختلفة، من الكلاسيكية والجاز إلى الروك والإلكترونية. يقدم كل نوع مزيجاً فريداً من الإيقاع واللحن والتناغم، فيجعل لكل منها طعماً مختلفاً يجد الناس له جاذبية.

 
  • الموسيقى الكلاسيكية: تشتهر الموسيقى الكلاسيكية ببنيتها المعقدة وعمقها العاطفي، وغالباً ما تعتمد على التناغم واللحن لخلق عالم يأسر المستمع. يستخدم مؤلفون موسيقيون مثل بيتهوفن Beethoven وموتسارت Mozart ترتيبات معقدة لاستحضار مجموعة واسعة من المشاعر.
 
  • موسيقى الجاز: لا، لن أقول إنها المفضلة لدي، لا بد أنكم تبينتم هذا بالفعل… موسيقى الجاز تؤكد على الارتجال والإيقاع، حيث يتحول التنافر غالباً إلى تناغم بطرق مبتكرة. يقدم موسيقيو الجاز مثل مايلز ديفيس Miles Davis وبيل إيفانز Bill Evans موسيقى ديناميكية وعفوية تسحر المستمعين.
 
  • موسيقى البوب والروك: تتميز عادةً بالألحان الجذابة والإيقاعات القوية، والمصممة لترسخ في الوجدان ولا تُنسى بسهولة. فمنها موسيقى وأغاني نذكرها اليوم برغم أنها قُدِّمت من نصف قرن، مثلاً! فلقد ابتكر فنانون مثل البيتلز The Beatles ومايكل جاكسون Michael Jackson أغاني خالدة وضعتهم في مصاف الأساطير، ولا زالت تلقى صدى لدى المستمعين في جميع أنحاء العالم، حتى أنها أحياناً تستخدم في انتاج الفيديو لمنصات جمهورها من الشباب صغير سن!

Encore…

كانت رحلتي في فهم الموسيقى ممتعة ومجزية، حيث تضمنت الاستماع إلى الكثير من الموسيقى. من خلال تعلم أساسيات نظرية الموسيقى، واستكشاف المشاعر الكامنة بين النوتات الموسيقية، والتمايل مع أنواع مختلفة من الألحان، اكتسبت تقديراً أعمق لفن الموسيقى، لكن شغفي لم يهدأ ولم يرتو!

الموسيقى لغة عالمية، وبينما قد تختلف أذواقنا، فإن قدرتها على تحريكنا هي تجربة مشتركة تتجاوز الحدود والثقافات. وبينما أستمر في الاستمتاع بالأنغام، أسعى لاكتشاف المزيد حول ما يجعل الموسيقى جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، وأقدم لكم الفرصة لمشاركتنا الموسيقى المفضلة لديكم على الخدمة الجديدة لعرض قوائم الموسيقى Playlists!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *